لم يعد صعباً عليك أن ترى البؤس الذي يعلو وجوه البشر، لم يعد أمراً يحتاج إلى وقت لتكتشف حالة الضيق النفسي التي تُخيم على الناس من حولك، لم يعد تشخيص الاكتئاب العام يحتاج منك تخصص في العلوم النفسية..
ولكي تساعد نفسك – وأرجو أن تساعد بتوصيله للآخرين – في أن تتخلص من هذه الحالة وتخرج لعالم أكثر رحابة، عالم أكثر راحة على المستوى النفسي.
أعرض لك عشرة أمور أعتقد أنها تغطي جوانب " اكتئابك" أو ضيقك النفسي :
1- ذكر نفسك دوماً بأن " الماضي" انتهى، بكل ما حدث فيه، فالأيام لا ترجع إلى الوراء، لتعيد اختيار موقف أو شخص، أو تحذر من تجربة، أو توقف ألم تعرضت له قبل أن يبدأ .
فالماضي سيبقى .. ماضي .. إن آلمك فيه شئ فاعلم أنه " إما تجربة" ستساعدك على اختيار أفضل، أو قدر صبرت عليه ومررت به والله دوماً يعوضنا ولكننا لا نرى عوضه ونعد عليه سبحانه " الألم" الذي يصيبنا.
2- تسامح .. تسامح .. تسامح ..
فمن أكثر الأشياء التي تُصعب على البشر حياتهم هو عدم " تسامحهم" فيما مر فيهم من آخرين، رغم أن "التسامح" يحقق لك أنت نفع أكبر ممن تسامحه، ذلك لأن البغضاء لا يحبها الله، وهي ثقيلة على النفس، تشل حركتها، وتشغل مكاناً كان يمكن أن تشغله "بالحب" .
ولكي أقول لك كلام واقعي .. فإنني لا أطالبك " بالنسيان" لأنه أمر ربما يحتاج إلى فترة وآليات، وربما هناك مواقف وأوجاع " لا ننساها" لكني هنا أطلب منك أن "تتسامح فيها" أو "تتصالح" معها، وهذا الأمر أنت تقدر عليه أكثر من النسيان.
ولكي أساعدك على تحقيق التسامح دعنا نحلل مواقفه المختلفة :
أولاً ... موقف تعرضت فيه إلى "ظلم مؤكد" تسامح فيه لأن :
** الله يعوض المظلوم.
** قد تكون أنت ظلمت أحد – حتى دون دراية منك – وتتمنى لو أنه سامحك، فما أن تبدأ إلا ويحدث ذلك على الناحية الأخرى خاصةً إن فعلته بنية خالصة لأن رب العالمين هو الذي يسدد ثمن النوايا عن البشر الآخرين .
** إذا رأيت طلباتك من الله ستجد أن ما يزيد عن 50 % منها يتعلق بطلبك أن "يسامحك" فكيف تطلب من الله من رحمته ما لا تستطيع أن تفعله من اجتهادك؟!!
ثانياً ... موقف تعرضت فيه إلى "ظلم غير مؤكد" تسامح فيه لأن :
** البشر " أسرى إدراكهم" وبالتالي قد يكون إدراكك اختلف مع الشخص الآخر وهو لم يرى أنه ظلمك " تبعاً لمفاهيمه" وكيف لا تسامح شخص على ما تربى عليه وأنت تختلف عن 99.999 % من البشر بوصفك بصمة فريدة؟!!
** إن تسامحك فيما هو " ظني" يصنع لك " عتبة" مرتفعة تجعلك "تحذر" حين تصنف المواقف، فتتوقف كثيراً قبل "رصد" موقف ضدك بأنه "ظلم".
3- اعترف " بحدودك" و " حدود " قدراتك :
من أسباب الراحة النفسية بدرجة كبيرة أن تجلس وتكتب عن نفسك بعض الأمور التي تتعلق بـــ " قدراتك" الإنسانية، والمهنية، والمالية، والشخصية، بحيث لا تبقى دوماً " حـزين" على شئ " أنت لا تملك ثمنه" أو تجد نفسك تعيش حالة عذاب" لأنك ترى آخرين حصلوا على كذا دونك، أو تُحمل نفسك أكثر من طاقتها.
فإن كنت أصبحت كبيراً في السن فلا تّعذب نفسك بحثاً عن "القوة الجسدية" التي كنت تتمتع بها، فتجد نفسك "تلهث" خلف العقاقير التي ترفع كفاءتك، رغم أن سنة الكون أننا نمر بمراحل لا يمكن " أن تُعيدها" ، وإن كنت أصبحت أقل مالًا أو ملأ الشيب شعرك، أو أصبحت أكثر خوفاً من أيام الفحولة والقوة، فاعترف بذلك كي تحدد " ساحات حربك مع الحياة"، فلا تُعرض نفسك إلى " ما لا يناسبك" ولا تعيش "تعاسة غير مبررة" كمن لا يملك سوى راتب ضعيف وينام كل يوم حزيناً لأنه لم يسكن الفيلا التي تم بناءها في أول شارع عمله!!!
4- حدد متطلباتك من البشر على " قدر استطاعتهم" :
فمعظم شقاء البشر في العلاقات إنهم "ينتظروا" من الناس ما هم ليسوا أهلاً له، فكيف تنتظر ممن لم يتربى على التضحية أن يضحي من أجلك؟!! وكيف تنتظر ممن يغير من أخيه أن يفرح لك؟!! وكيف تنتظر ممن لا يعرف سوى لغة الأرقام والأموال أن يلمح دمعة صامتة في عينك وهي لا تشبه أوراق البنكنوت؟!! وكيف تتنتظر ممن عاش يبيعه الناس أن يفهمك وأنت تشتري شخص ويتقبل ذلك؟!!
فضع الناس في " قدرها" دون غضب أو حزن، فساكشف لك سراً شخصياً أفعله الحقيقة منذ الصغر، بأن أقوم بوضع درجات من الشدة التي سوف أقع فيها وأكتب على ورقة " الشخص المناسب" لأرتكن إليه في كل درجة، فإن كنت في شدة بسيطة، موقف سخيف تعرضت له أو إحراج ما، استدعيت أي شخص من الفئة رقم عشرة، وإن كانت الموقف أشد اتصلت بأحد من الفئة تسعة، وهكذا حتى أشد المواقف والأزمات، والتي فيها أتفاجئ باتصال ممن هم في الفئة الأولى يسألوني: ماذا بك ؟!! قلبي مشغول عليكي ؟!! حلمت بيكي .. ويعلم الله إني أحياناً أكون لم أدري بالمصيبة بعد، وأحياناً أصمت من شدة الصدمة فتتحدث صديقتي وتروي التفاصيل وكأنها عاشتها!!!
فكما خلقنا الله " درجات" في الإيمان، والرزق، خلقنا "درجات في القدرة" على التقديم للآخر والإيثار له وغير ذلك، فحدد الأشخاص من حولك، ولا تخلط أبو قرش على أبو قرشين، ولا تقربهما ممن لا تُقدره كنوز الدنيا.
5- حدد دورك في كل مجال تتواجد فيه :
بعد أن طلبت منك أن تحدد " قدراتك" في النقطة رقم " 3" أطلب منك هنا أن تحدد بناء على قدراتك ، ما هو الذي يمكن أن تقدمه في كل مجال إنساني تتواجد فيه، فدورك في تربية أولادك ليس هو دورك في تلقين الطفل الذي يقول كلمات بذيئة في الشارع، وليس هو نفس مقدار دورك في إدخال مفهوم قيمي لابن أختك في زيارة لك، وليس هو نفس دورك نحو الحال السياسي في مصر.
فإن كنت مسؤل بنسبة 100 % عن أولادك وعن قيمهم الأساسية على الأقل فأنت مسؤل عما يحدث في "سياسة مصر" بنسبة قدرتك على العمل الإيجابي فيها فقط طبعاً إن لم تكن رجل سياسة " سامحك الله " .
6- قلل درجة " التصنع" التي تقوم بها :
مما يتعب البشر إنهم يميلون إلى إرتداء " وشوش" أخرى بخلاف وجههم الحقيقي، فيتعامل معهم الناس على أساس " ما يُظهرون" وهو ما يُحدث لهم صدمة لأن حقيقتهم على غير ذلك، فيظلوا في دائرة مفرغة، الناس تعتقد أنهم يفعلوا لهم ما يرضيهم، وهم لا يرضون لأنهم لا يظهروا حقيقة "ما يرضيهم".
فكلما قللت من " الوشوش" ربما لا تجد الكثير من الأصحاب لكني أعدك بأن القليل الذي ستجده سيعتبر كنز حقيقي لك، وستشبع منه حقاً لأنه سيكون على معرفة حقيقية بما تحتاج لأنك أظهرت له " وجهك الحقيقي" .
فلا داعي " للتجميل المبالغ فيه" في الشخصية، عبر عن "ضيقك" من كذا، عدم تقبلك لفلان ، أو غير ذلك، فلا يمكن أن تصبح إنسان "مناسب" لكل البشر.
7- ابكِ وقتما تشعر برغبة في ذلك :
عجيبة ثقافتنا الشرقية التي تعتبر البكاء " ضعف" والتي تعتبره " اعتراض على حكم الله " أو تلك التي تعتبره " فعل لاستجلاب التعاطف"، والدموع "الحقيقية" أطهر من ذلك بكثير، وأهم بكثير مما نعتقد.
وهنا أصرح لك بأن " تبكي" وقتما يشتد لديك طلب البكاء، فقد أصبحت أرى عيون تمتلئ بالدموع ولكنها لا تبك فتراها طيلة الوقت " متأهبة" للبكاء لكنها لا تفعله، ووالله لو فعلته لذهب إلى حال سبيله وانتهى أمره ولم يعد يلازم وجهك طيلة الوقت، ما كنت دوماً تحمل صورة " الباكي" رغم أنك تستطيع أن تفعلها للحظات وتبقى في باقي وقتك " متحرراً " منها.
8- اعتذر حينما يبدر منك خطأ :
الاعتذار هو عبارة عن حالة " مصالحة نفسية" فيها تقوم بمنتهى القوة "بمحو" ما كتبته خطأً، وفيه شعور كبير بالراحة وكأنك لم تقم بالشئ لأنك استطعت أن تعتذر عنه في اعتراف منك بأنك " تصيب وتخطئ"، شعور سيريحك جداً خاصةً حينما تجد تفهم الآخرين لذلك وطيب شعورهم نحوك بعده، والأهم شعورك أنت نحو نفسك.
9- " حب"، عبر عن مشاعرك الطيبة:
حتى لو كان لشخص في الشارع قام بعمل نبيل رفع لسيدة حقيبة، ساند شخص في حركته، صنع أي موقف فيه شئ أعجبك، أحبه وعبر له، عبر لأصدقاءك، فالتعبير عن الحب يمنح شعور طيب يستمر، ويعطيك رصيد عن الآخرين ربما تحتاج له حينما تعجز عن التعبير أو تزداد عليك الهموم.
حِـب .. وادفع فاتورة الحب مهما كانت.. مادمت تُحب فيما يرضي رب العالمين، حب دون أن تنظر كيف سيصنفك الناس، كيف يرون حبك، حب ولا تلتفت لكثير من القيود التي استطاعت أن تقيد كل شئ لكنها لم تستطع أن تقيد قلوب البشر.
حب.. فطاقة الحب كفيلة بأن تُنسيك هموم كثيرة، بأن تُنسيك قسوة البشر لأن هناك مكان يساعك حينما تُسد في وجهك الأماكن.
حِب .. فالقلوب التي تُحب لا يصيبها العجز ولا تتليف مع السن
10- قم بعمل فروض الله كاملةً :
" يستنصح" بعض البشر ويعتقدون أنهم يمكن أن ياخذوا أي شئ في الدنيا دون إذن صاحبها!!! ، فحين تسأله عن الصلاة يخبرك عن " ضيق الوقت " !!!!! وحين تُحدثه عن "الصيام" يحدثك عن احتياج العمل لعدم صومه وأن العمل عبادة – بالمناسبة نفسي أعرف مين النصاب اللي طلع الجملة ديه لو لديكم أي تاريخ لها أرجو مراسلتي به – وحينما تسألهم عن "الصدقة" يُحدثك عن حال البلد الذي لم يعد يسمح وضيق الرزق ومصاريف العيال !!! وكأنه هو الذي ينفق عليهم .
نعم.. هي حالة من الاستعباط النفسي والإنساني، نقوم بها دون أن نلتفت إلى قول أحد السلف : إني أرى أثر معصيتي في خلق دابتي وخلق زوجتي.
ويقول الحسن البصري : والله إني لأعلم ذنبي في خلق زوجتي وفي خلق دابتي.
فلماذا لا تُحزنك زوجتك وأنت لا تراعي الله في سلوكك؟!!!
ولماذا لا يخرج أبناءك على أخلاقيات تتمناها أو يحافظون على كبرك وأنت لم تتحرى كل مليم تنفقه عليهم؟!!
ولماذا تعيش مطمئناً وأنت لا تقوم بتطبيق قواعد " تشغيلك" ؟!! فأنت جهاز صنعه الله – له المثل الأعلى – وبالتالي لك قواعد تشغيلية يجب أن تلتزم بها مثلما تلتزم بقواعد التليفون الصيني الذي تشتريه ويأمرك الصانع الذي صممه تحت السلم بأن تضع بطاريته 24 ساعة في الشاحن وتفعل دون مناقشة!!!
فما بالك بـــ " صانعك" أنت ؟!!
إفعل ما يأمرك الله، واستقم .. وقتها فقط سترتاح لأنك ستُدرك أن ما يحل بك لهو خير مهما بدا لك لأن رسول الله الكريم أخبرنا بأن أمر "المؤمن" كله خي، وما الإيمان سوى أن تعرف ربك وتقوم على قواعده في كافة جنبات حياتك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق