من خلال تواصلنا مع البشر وآلامهم وأمراضهم وكذلك ارتباكاتهم النفسية التي لم ترقى لحد الاضطراب أو المرض؛ وجدنا أن الفراغ وعدم وجود نشاط ما يقوم به الفرد سواء مع نفسه كترتيب أفكاره وفهم نفسه، وتطويرها وتهذيبها، أو مع غيره من خلال الأنشطة المختلفة له نصيب الأسد في وقوع الشخص في براثن التيه وفقدان الهدف وكذلك المرض النفسي!
بل وجدنا أن من يعاني من بعض الارتباكات النفسية تزداد حدتها وتتطور وتتنوع؛ فوجدنا من يقع مثلا في ممارسة العادة السرية، أو مشاهدة الأفلام الإباحية يتحول من ممارس، أو مشاهد لمدمن؛ حيث يصعب العلاج ويحتاج لوقت طول وجهد أكبر للتعافي، ووجدنا من وقع أسير أحلام اليقظة حتى التهمت وقته وجهده وأدت لتآكل أدواره المطلوبة منه، ووجدنا من ازدادت عليه اضطراباته، لذا التعامل مع الوقت بحيث لا يظل هناك فراغ يؤذي صاحبه.
وصار السؤال المشروع الآن كيف نقضي وقت فراغنا؟، وقبل الحديث عن ذلك نحتاج أن نعي أن كل منا له طاقته، و مساحات اهتمامه، ومواطن تميزه ومواطن تحتاج لجهد وتطوير، وكذلك لكل منا ظروفه الاجتماعية والاقتصادية وعلى أية حال سأتحدث عن كيفية قضاء وقت فراغنا في شكل نقاط:
- لا تستخف، ولا تقلل من أهمية التواصل الصحي والحقيقي مع نفسك "اشتغل على نفسك"؛ فتتعرف عليها عن قرب وبصدق وبوعي؛ فتعرف احتياجاتها الحقيقية والتي تختفي وراء التصرفات الخارجية التي كثيرا ما تستغربها عليك؛ فتتدرب على التعرف على حقيقة تلك التصرفات من خلال التعرف على حقيقة الاحتياجات، ولتتدرب على التعرف على أفكارك لتعلم ما لديك من أخطاء التفكير وتشوهاته، ولتتعرف على ما تحب بصدق وما تكره..الخ
وتلك الخطوة التي اعتبرها غاية في الأهمية يمكن تعلمها من خلال الاشتراك في دورات تدريبة، أو قراءة، أو تواصل مباشر مع خبراء، وأهميتها تكمن في قدرتك على التعرف على ذاتك والتعرف على مناطق التميز والتقصير فيها لتعمل عليها كلما سنح الوقت.
- ممارسة الأنشطة الاجتماعية كل حسب ظروفه وطاقته من الأمور الهامة جدا ليس فقط لقضاء وقت فراغ مفيد، وليس فقط لننول ثواب صلة الرحم فقط، وليس للمتعة مع أصدقاء تحبهم ويحبونك فقط، ولكن بالاضافة لذلك هو اكتساب مهارات التواصل مع البشر المختلفون عنك؛ فتتعلم كيف تتقبل الآخر،وكيف يحدث الثراء من الاختلاف، وكيفة التواصل ذاته مع البشر من خلال الحواس والمشاعر والتصرفات؛ فتكتسب مهارات غاية في الأهمية تفيدك في مناحي الحياة كلها فيما بعد
-الانخراط في عمل تطوعي؛ فالتطوع تحديدا يبني في الشخصية قيم كثيرة مهمة سيحتاجها في حياته الخاصة والعامة بعيدا عن العمل التطوعي ذاته؛ كقيمة العطاء، الذكاء الوجداني الذي يجعلك تشعر بالآخر وتتفهم مشاعره، العمل في فريق،..الخ.
-الأنشطة الترفيهية، فالترفية عن النفس بأمور محببة لك يفيد على المستوى النفسي والصحة النفسية، ويمدك بالطاقة التي ستحتاجها وقت العمل في أنشطة أخرى؛ فهي المكافأة والراحة واستعادة الطاقة لك.
- التواصل مع الله سبحانه وتعالى؛ وهنا لا أتحدث عن التواصل مع الله فقط بالشكل المتعارف عليه عموما، ولا أتحدث عن زيادة العبادات، ولكن أقصد بالقرب هو تغذية العلاقة بينك وبين الله جل جلاله بالطريقة التي تجدها تؤدي لذلك وتخصك وحدك؛ فعلاقة كل منا بالله تعالى علاقة فريدة ليست مثل الآخر؛ ولكل طريقة تؤدي به لعمق هذا التواصل قد لا يكون متعارف عليها؛ فنجد من يتواصل أكثر مع الله تعالى بخدمة البشر، وآخر بالصيام، وثالث بالكرم، ورابع بقراءة القرآن
فلتبحث عما يؤثر فيك أنت ويعمق التواصل مع الله تعالى ويجعلك تستشعر معيته فيحميك هذا التواصل الأعمق من شر نفسك والآخرين، هذا بالطبع يكون بجانب القيام بالفروض الأساسية التي فرضها الله تعالى علينا كبشر بشكل عام؛ ولتعمل على معالجة المعاصي بشكل واقعي بعيدا عن السطحية ؛ فمثلا إن كنت تقع في الغيبة ركز على سبب وقوعك فيها؛ هل بسبب الغيرة؟، أم حين تجلس مع أشخاص معينون؟،أو في وقت معين حين تمر بأمر معين؟، وهكذا حتى تعالج الأسباب الحقيقية ولا تلهث وراء العرض فتكف عن المعصية فترة ماتلبث أن تعود
-الدور..الهدف..الحلم..هو سر القضاء على وقت الفراغ الذي لا يأتي من ورائه خيرا؛ فكلما انشغلت بهدف، أو بحلم يملأ كيانك بصدق كلما انتهى من حياتك الفراغ المؤذي؛ ولكن لا تقع في "فخ" الأحلام العملاقة والأهداف العالية فتحبط وتفشل؛ كن ذكيا واحترم حلمك حتى لو صغير؛ فغدا سيتبلور أكثر،وستتعرف على أهدافك أكثر وقد تعدلها أو حتى تغيرها؛المهم أن تسعى وسنجد عجبا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق