عبقري مؤمن مثل ديدات، متعمّق بدراسة الأديان، ويدعو إلى الله على بصيرة، همّه الدعوة للإسلام، والدفاع عن دين الله، ومناصرة المظلومين حول العالم، لا بد أن يُغضب قوى الشر، وأصحاب المعتقدات الفاسدة، وطوابير المنافقين حول العالم. لذلك فقد كان عام 1996م عام فرح وابتهاج للكنيسة على وجه الخصوص؛ فقد هدأت حركة الداعية، واستراح المحارب العنيد، الذي أحرج الكنيسة، وسحب البساط من تحت رجالاتها بمناظراته المُـفحمة، فكثر الداخلون في الإسلام، وانكشفت كثير من تناقضات الأناجيل المحرفة، وظهر عوار المعتقدات النصرانية، التي يرفضها العلم والمنطق، وتُبطل كثيراً منها الحقائق التاريخية الثابتة.
حزنت في ذلك الوقت جماهير المسلمين في كل مكان، لِما أصاب الداعية المنافح عن عقيدة الإسلام، وهمّ بعض المتحمسين أن يتهموا الموساد أو الاستخبارات الأمريكية، أو المتعاطفين مع الكنيسة، بدس مادة غريبة لديدات، سببت له الشلل التام، وألزمته الفراش، إلا أن الخوف من التلويح بنظرية المؤامرة، التي تستعمل كلما أرادت جهات طمس الحقائق المغيّـبة، وخاصة ما يتعلق منها بشؤون المسلمين منعتهم من ذلك.
مع أن حوادث مشابهة وقعت لعلماء ودعاة ومفكرين، تم السكوت عنها لعدم توافر الأدلة، والخوف من تهمة نظرية المؤامرة، فقد عقد قبل سنوات مؤتمر إسلامي في إحدى الدول المتقدمة، شارك فيه عدد من علماء العالم الإسلامي، وبعد رجوع ثلاثة منهم إلى بلدانهم ظهرت أعراض مرض غامض عليهم، واحد منهم هو الدكتور عبدالله علوان صاحب كتاب (تربية الأولاد في الإسلام)، وقيل وقتها: إن مخابرات إحدى الدول وضعت للعلماء الثلاثة مادة في الطعام، ويُـعتقد أن أجهزة أمنية سهلت لهم ذلك بحكم العلاقة الوطيدة بين الدولتين، ومات العلماء الثلاثة، في أوقات متقاربة _رحمهم الله تعالى_.
لا أريد أن يفهم من كلامي أني أؤكد فرضية قتل الداعية ديدات، لكني أستطيع أن أؤكد أن عدداً من العلماء والمفكرين والمعارضين قتلوا بهذه الطريقة، في بعض الدول العربية والإسلامية، إلا أن موانع كثيرة تحول دون الإفصاح عن أسمائهم في الظروف الحالية.
والذي يدعو للتساؤل، أن قضية نظرية المؤامرة أكثر ما يردّدها الإعلام الرسمي في بعض الدول، أو رموز الصحافة العلمانية عندما يتعلق الأمر بقضية إسلامية، فلو قال قائل: إن اليهود قد انسحبوا من غزة، ويسعون لاستكمال بناء الجدار العازل، تمهيداً لعدوان كبير على الأقصى، يستهدف هدمه، لارتفعت عقيرة الإعلام الموجّـه، تذمّ نظرية المؤامرة، وتدعو للعقلانية، وحسن الظن؛ لأن شارون داعية سلام، وانسحابه من غزة يؤكد أن الصهاينة تنازلوا عن أطماعهم التوسعية، وألقوا في البحر مخططات إسرائيل الكبرى!
واليوم تفقد الأمة ديدات الذي أجاب نداء الحق، بعد أن حاول أن يوصل رسالته بكل وسيلة ممكنة، وأن يدعو إلى الله، حتى وهو على سرير المرض، فلا نريد أن نطالب بمعرفة سبب الوفاة، وإنما ندعو إلى أن يعي المسلمون ما يجري حولهم، ويتفهموا جيداً أن الجميع مستهدف، من عدو خارجي لم يرحم حتى عملاءه، ومن ساروا في ركابه من التصفية ودس السم عندما انتهت الحاجة إليهم، والشواهد قريبة من الجميع.
إن رجلاً عظيماً مثل ديدات _رحمه الله_ يستحق منا أن نقف على كل مراحل حياته، وأن نستفيد من أسلوبه في الدعوة والمناظرات؛ لأنه في الحقيقة أسس مدرسة فريدة في الدعوة إلى الله، ودراسة الأديان، وأصول المناظرات، كما كان قدوة في كرم الأخلاق والتواضع، ومساعدة الآخرين، فكم نحن بحاجة إلى أمثال هذا الداعية الذي قرن القول بالعمل، وسار يدعو إلى الله على بصيرة، دون أن يلتفت إلى الخلف، حتى لقي وجه ربه _سبحانه_.
مما يؤسف له أن الغرب الذي أزعجه ديدات، بمناظراته الشهيرة، كان أكثر اهتماماً به من بعض الدول الإسلامية؛ لأن الغرب اعتبره ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة، فأقامت الكنيسة قسماً خاصاً لدراسة مناظرات ديدات وكتبه، ومحاولة التشويش عليها، والتقليل من شأنها بطريقة خبيثة، بعيداً عن الأسلوب العلمي الرصين، على عادة الكنيسة في مخاطبتها للعاطفة، وتجاهل العقل والمنطق. في وقت نجد فيه إعلام كثير من دولنا يركز على دعاة الفن، وأرباب العهر الثقافي ، بينما يتجاهل عظماء الأمة وقادتها؛ لأن أكثر وسائل الإعلام مازالت متمسكة بالتبعية الإعلامية لوكالات الأنباء الصليـبـية والصهيونية، وتقوم بدور ببغائي مضحك، وشر البلية ما يضحك!
اللهم ارحم عبدك أحمد ديدات، واغفر له ذنوبه، وأكرم نزله، واجْزهِ عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، وأكرم الأمة بخير منه، ورّدنا إلى حقيقة ديننا رداً جميلاً، والحمد لله رب العالمين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق