لم يفلح فراعنة مصر على مدى العصور إلا في إذلال رعيتهم، وقد نصر الله أهل مصر وأنقذهم من فراعنتهم حتى أتى فرعون الانقلاب عبد الفتاح السيسي، فأهانهم وذهب بهم إلى أحضان إسرائيل وباع غزة وسيناء وتيران وصنافير وما تبقى من شعارات العروبة، ولم يستطع أن يسكت ويكمم الأفواه الرافضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية إلا بملء المعتقلات بأبناء مصر الذين اجتمعوا على خلعه ورميه إلى هاوية سحيقة مع الفراعنة الأولين.
ولأن
المصريين في بلد عمرو بن العاص وعبد العزيز بن مروان، والذي ترعرع فيه
خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، لن يسكتوا على ضيم فقد انتفضت في
ثورة أسطورية عام 2011م فاجأت العالم وشلت يد أمريكا وداست على سمسارها
الرخيص حسني مبارك، ولكن العسكر على ما يبدو لا يعتبرون ولا يفهمون الدرس
حتى يُداس الانقلاب بنعال الثورة.
بكل
ثقة نستطيع القول بعد 1000 يوم من مذبحة رابعة والنهضة، أن مصر في عهد
السيسي أصبحت مثل سوريا في عهد البعث والأسد، دخلت في نفق مظلم وتعيش في
كابوس رهيب لا منقذ لها منه إلا بسقوط الانقلاب.
ثورة دي ولا انقلاب؟
من
الصعب حصر المرات التي أكّد فيها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على أن
ما جاء به إلى سدة الحكم هي ثورة شعبية لا انقلاب عسكري، يؤكد السيسي
ونظامه والموالون له أنّ المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة ضد انقلابه
كانوا إرهابيين، وأن الثالث من يوليو هو اليوم الذي قرر الجيش فيه الانحياز
لإرادة الشعب بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب محمد مُرسي .
لكن
من السهل بمكان إلقاء الضوء على عدة دلائل تثبت أنها كانت مجزرة، ضد ثورة
25 يناير وضد إرادة الشعب، قبل أن تكون مجزرة ضد خليط من عشرات الآلاف من
المصريين احتموا بميدان ضيق يحاولون حماية ثورة خلعت رأس النظام.
لم
تعد مصر بعد مذبحة رابعة والنهضة ومرور 1000 يوم على نزيف الدم، مثل ما
كانت قبلها، نبدأ بتحقيق نشرته وكالة أنباء رويترز في أكتوبر 2013، يكشف عن
الدور الفاعل للأجهزة الأمنية، بخاصة أمن الدولة، للتجهيز والإعداد
للتظاهرات التي خرجت ضد مرسي، تحديدًا تظاهرات 30 يونيو.
ويكشف
التحقيق عن تنظيم القوات المسلحة لاجتماعات بين قادتها ومسئولين من وزارة
الداخلية في أوائل عام 2013، وينقل التحقيق عمن أسماه مسئولا أمنيًا رفيع
المستوى ممن حضروا تلك الاجتماعات، قوله إن وزارة الداخلية رأت في جماعة
الإخوان المسلمين “خطرًا على الأمن القومي، ويجب أن يذهبوا (يرحلوا عن
الحكم)”، وأضاف أنّ الداخلية “حثّت الجيش على أن يصفهم بالإرهابيين”!.
ما بعد مذبحة رابعة!
تتجلى
أهم إنجازات السيسي منذ انقلابه وفض الاعتصام في حفنة من الكوارث الفريدة
من نوعها؛ فبينما تميز عصر جمال عبد الناصر ببناء السد العالي وتأميم قناة
السويس، وتميز السادات بتحقيق نصر أكتوبر وبسياسته الفريدة، وكان التوسع
السياحي ومشروعات الكباري من أبرز إنجازات مبارك، يأتي “الإعدام السياسي”
كأبرز إنجازات فترة رئاسة السيسي!
حملات
الاعتقال الواسعة للنشطاء السياسيين بشكل غير مسبوق هي الكارثة الأولى
لعهد السيسي، حيث إن أكثر من 70% ممن تمتلئ بهم سجون الانقلاب حاليًا هم
معتقلون سياسيون، البعض منهم على ذمة قضايا سياسية – وأغلبها ملفقة –
والبعض تم القبض عليه دون وجود أي تهم منسوبة إليه أو قضايا فعلية.
أغلب
هؤلاء المعتقلين هم فئات فاعلة في المجتمع وخريجون وطلبة، وبعضهم متظاهرين
تحت سن الـ18 تم الزج بهم في السجون والقضاء على مستقبلهم في مهده، منعًا
لحقهم الطبيعي في التظاهر والاعتراض، بينما القتلة والفاسدون والبلطجية
والسرسجية يملأون الشوارع، ويتمتعون بالحياة الكريمة.
السيسي يختلف مع القرآن!
لم
يتوقف نشاط الحكم الجديد عند الانقلاب العسكري على ما سبقه من أنظمة، بل
حمل أيضًا انقلابًا آخر، يمكن أن يُطلق عليه مسمى انقلاب ديني، لم يقتصر
فقط على الحماس الجديد الذي يزرعه النظام ويغذيه باستمرار في محاربته
للإسلاميين.
وترجمة
هذا في التصريحات الهجومية والأحكام الغاشمة للنظام على الرموز الإسلامية
المصرية، بل تحول الأمر لحملة امتدت وطالت التشريع السماوي، الذي عارضه
السيسي بكل وضوح وقال بأنه يختلف مع القرآن في نقاط عديدة “غير إنسانية”!
وفسر
السيسي ذلك بأن كتاب الله يحوي العديد من النماذج القرآنية المحرضة على
العنف ومعادية لتحقيق العدالة! وما انعكس بدوره على السياسة الخارجية
بترويج هذه الصورة الذهنية عن الشريعة الدينية، بينما نجلس كشعب “مهذب”
وصبور في انتظار أن نرى كيف يحقق الفريق “الفاروق” تلك العدالة على طريقته
الخاصة!.
فناكيش اقتصادية
على
صعيد كوارث السيسي الاقتصادية؛ بلغ الدين الخارجي المصري رقمًا قياسيًا
غير مسبوق 46 مليار دولار، والمعروف أن المعدل الآمن للدين لا يتجاوز 60%
من الناتج المحلي، بينما تشير الأبحاث إلى أنه سوف يتجاوز 100% بنهاية
يونيو المقبل، وعلى مدار 18 شهرًا فإن حكم السيسي يستسهل أخذ القروض من
الخارج أو من الداخل (سندات)، وهو ما يؤدي إلى زيادة خدمة الدين وعدم توفر
أي سيولة للإنفاق العام أو لإقراض المستثمرين، بينما تتسع دائرة الفقر
للمواطن وترتفع الأسعار.
ووصل
الارتفاع الخيالي في الأسعار إلى 50% زيادة على السلع والمنتجات، طبعًا
دون أي زيادة طردية في المرتبات، بل على العكس تصحبه محاولات حكومية
مستميتة ودراسات جادة لخفض الكثير من الرواتب والمعاشات، في حين تمتع مبارك
برصيد بنكي من أموال الدولة السابقة، تكفي فوائده “وحدها” لرفع مستوى الحد
الأدنى للرواتب لكافة شعب مصر.
علاوة
على انهيار السياحة في مصر واتجاهها إلى مصير مجهول نتيجة الوضع السياسي
المتأزم للانقلاب؛ وخاصة بعد تكرار حوادث التحطم التي كان آخرها تحطم
الطائرة الروسية، مما أدى إلى إعلان الخطوط الفرنسية والألمانية بالتوقف عن
المرور فوق سيناء، والذي صاحبه قرار أحدث للقوات الألمانية والبريطانية
بوقف الرحلات الجوية عمومًا من وإلى مصر حاليًا، وهكذا تفقد السياحة في مصر
ثلاث من أهم الجنسيات الوافدة لها، مما يعني أزمة هائلة جديدة للسياحة
والاقتصاد في مصر.
وجاءت
أزمة تفريعة قناة السويس الجديدة، والتي تسببت في حالة من الغلاء وأزمة
للدولار داخل مصر، أمام صدمة الشعب، حيث يفشل لأول مرة عمل تم طرحه على أنه
مشروع قومي كبير بهذا الشكل في تحقيق نتائج إيجابية، وكأن هناك “خللًا”
عامًا يشمل كل شيء.
التصفية الجسدية
هي
جريمة سياسية يقوم الانقلاب من خلالها بالتخلص من الخصم أو المعارض بالقتل
أو الاغتيال، وغالبًا في ظروف غامضة غير مفسرة، وتنتهي التحقيقات في تلك
القضايا غالبًا دون توجيه أي تهم للشرطة، ويصبح المبرر الغالب في هذه
الحالات هو أن تلك العناصر كانت مسلحة وتهدد الأمن أو أنهم قاموا بمهاجمة
قوات الشرطة أثناء القبض عليهم وتغلق القضية وتفيد نهاية المحضر بـ”الوفاة
خلال مواجهات مع الشرطة أثناء تأدية عملهم”، فيتحول القتلى من ضحايا إلى
مذنبين.
والتصفية
الجسدية هي السلاح الجديد الذي يلجأ إليه السيسي للتخلص من معارضيه وتطبيق
عدالته الخاصة، وأصبح الاختفاء القسري هو الطريق لردع أي حراك ثوري سواء
من رافضي الانقلاب أو حتى التيارات السياسية والشبابية التي تهاجمه.
وتعددت
مؤخرًا الوقائع التي يشتبه أن تكون تصفية جسدية لمعارضي النظام، مع ارتفاع
نسب الاختفاء المفاجئ لبعض الناشطين، والتي بلغت أكثر من 163 حالة اختفاء
خلال شهرين فقط، والتي لا تكون مرجعيتها إلى الحبس في كل الأحيان.
وهكذا تنتشر ميليشيات النظام الانقلابي لتحصد أرواح معارضيه، وتصبح التصفية الجسدية هي شعار المرحلة السياسية الجديدة.
القتل بالإهمال الطبي!
ارتفعت
نسبة الوفيات في سجون الانقلاب في الفترة الأخيرة نتيجة سوء أوضاع
الاحتجاز وتجاهل النظام – المتعمد – لتطبيق المعايير الدولية للرعاية
الصحية في السجون، حيث بلغت حالات الوفاة أكثر من 124 حالة منذ بداية 2014،
واستمر الارتفاع في أعداد القتلى بداخل أماكن الاحتجاز إلى 135 حالة،
أغلبها بسبب سوء الاحتجاز والتعذيب ونقص الرعاية، وهي وسيلة القتل البطيء
التي أصبحت تستخدمها السلطة للتخلص من عبء رافضي الانقلاب غير المرغوب فيهم
داخل السجون.
وحتى
تمر جريمة التصفية والإهمال الطبي مرور الكرام، لأول مرة في تاريخ مصر
السياسي، ساند العسكر كيان الاحتلال الإسرائيلي بالتصويت لصالحه في الأمم
المتحدة، ليحصل على عضوية كاملة في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء
الخارجي.
في
الوقت الذي تندلع فيه الانتفاضة الثالثة للقدس، وتسود الشعب المصري حالة
غليان من جرّاء تصرف السيسي المخزي، وهو ما يُفسر عالميًا كاعتراف صريح من
النظام بدعم الاحتلال في وجه الشعب الفلسطيني.
لعنة دماء رابعة
لعنة
دماء فض الاعتصام جرت خلفها حالة من “النحس” مريبة أصابت مصر من خلال
سلسلة متوالية من الحوادث والكوارث أذهلت المصريين، حيث شهدت الدولة منذ فض
رابعة والنهضة كوارث عدة؛ لم يكن أولها حادث سقوط الطائرة الروسية فوق
سيناء.
سبق
ذلك حوادث أخرى بدءًا من حادث تفحم طلاب البحيرة منذ تنصيب السيسي نفسه
رئيساً للبلاد عام 2014، والتي أدت إلى تفحم 18 طالبًا بأوتوبيس المدرسة،
مرورًا على حادثة إطلاق طائرة أباتشي مصرية للنار على فوج مكسيكي، أسفر عن
وفاة 12 شخصًا بصحراء مصر الغربية، وحادث غرق الفوسفات في نهر النيل مهددًا
الصحة العامة.
وفي
الشهر نفسه تعرض المتحف الروماني بالإسكندرية لسرقة 60 قطعة أثرية من
مخزنه بسهولة غريبة، ثم كارثة غرق مركب الوراق بالجيزة والتي أدت إلى مصرع
38 مصريًا على متنه بعد تأخر حكومة الانقلاب في عمليات الإنقاذ.
وتنضم
إلى سلسلة الكوارث الحديثة ظاهرة الغرق التي تجتاح مدن مصر؛ حيث بدأت بغرق
الإسكندرية المأساوي، والمتبوع بغرق 3 محافظات مصرية أخرى، ولا زالت قائمة
الكوارث مفتوحة ولم تُوضع فيها نقطة آخر السطر بعد.
ويتساءل
المصريون أمام كل هذا عما إذا كان السيسي جنرال “منحوس”، وجلب معه النحس
والخراب للشعب؟! أم أن كل هذه الوقائع هي مجرد مصادفات، وأي ارتباط حتمي
ومنطقي بينها وبين لعنة الدماء في رابعة والنهضة هو عن طريق الصدفة!
الجنرال المتسول!
ومن
يتابع حجم وكمية ونوعية إعلانات التسول في عهد السيسي، التي اكتسحت
المحطات التلفزيونية المؤيدة للانقلاب، وكلها تحت المانشيت “تبرعوا..” لخلص
إلى نتيجة وحيدة، وهي أن الدولة في عهد العسكر خلعت يدها من الشعب، وقالت
له “غور في داهية.. دبروا أنفسكم بأنفسكم”!
فهذا
طبيب مخضرم يخرج في أحد الإعلانات ويخاطب الناس: “هذه مسؤوليتكم إن لم
تتبرعوا.. الناس حيموتوا!” وهذا فنان يتنطط من عائلة لأخرى يعانقها
ويضاحكها ثم يقول: “هذا بفضل الذين تبرعوا وأنقذوا هذه العائلات”، وذاك
مدير مستشفى يقول: “هذا المستشفى يعيش مائة بالمائة على مساعداتكم!” .
وتتكرر
الإعلانات واحدة تلو الأخرى تستجدي الناس بلسان الجنرال المتسول “صبح على
مصر ولو بجنيه”، وكأن إعلانات العسكر تحاصر الناس وتضغط عليهم وتخاطبهم
قائلة لهم: “إن لم تتبرعوا فالمرضى لن يتلقوا العلاج والأسر ستتفكك
والأولاد ستتيتم.. أنت المسئول أيها المصري لأنك أيدت الانقلاب”!
سياسة
ذليلة دنيئة هدفها إشغال المصريين بالهموم، وإبعادهم عن فكرة إسقاط
الانقلاب، وإغراقهم في جَلْدِ الذات حتى لا يخرجوا من دوامة خبيثة رسمها
لهم ونفذها نظام انقلاب عدو لمصر ولأهلها يقوده رويبضة لا مثيل له هو
السيسي.
وهكذا
وبكل سهولة يحل السيسي مشكلة إدارته الفاشلة للبلاد وذلك بالهروب إلى
الأمام، فقد أيقن أن جمهورية مصر العربية فاشلة بامتياز ومهما أدخل من
ترقيعات وفناكيش لن ينصلح شيء، لأن ما بني على “دم” فهو ملعون زائل لا
محالة ولن ينصلح، ولذلك حوّل المسؤولية في هذا التخلف والفشل من مسؤولية
العسكر وقائد الانقلاب إلى مسؤولية الشعب.
اللهمّ إنّي أستغيث بك بعدما خذلني كلّ مغيث من البشر، وأستصرخك إذ قعد عنّي كلّ نصير من عبادك، وأطرق بابك بعدما أغلقت الأبواب المرجوّة، اللهمّ إنّك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.
اللهمّ إنّي أستغيث بك بعدما خذلني كلّ مغيث من البشر، وأستصرخك إذ قعد عنّي كلّ نصير من عبادك، وأطرق بابك بعدما أغلقت الأبواب المرجوّة، اللهمّ إنّك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق